كما هو الشأن في كلّ المجتمعات البشرية، لبعض المسلمين في مختلف المجتمعات الإسلامية اتّجاه جنسيّ مثليّ، بمعنى أنّ الرجل يجد متعته الجنسية مع الرجل (والمرأة مع المرأة). وقد توقّف الطبّ العقليّ عن اعتبار المثلية شذوذا أو اضطرابا منذ أواسط السبعينات من القرن العشرين، وأصبحت المواثيق الدولية تعترف بحقوق المثليّين الجنسية باسم الحريات الفردية وباسم حقوق الإنسان. وبالتالي يجد المسلمون أنفسهم اليوم مطالبين بتبنّي المنظورين العلميّ والحقوقيّ للمثلية الجنسية. اليوم، يتحتّم على المشرّع في العالمين العربيّ والإسلاميّ أن يجتهد قصد وضع قوانين غير مجرّمة للمثلية الجنسية. هدف هذه الورقة اقتراح بعض المعاني التي ينبغي أن يتبنّاها الاجتهاد في نظرنا، وهي معانٍ تساعده على التكيّف انطلاقا من أدلّة نقليّة وأخرى عقليّة.
1. الاجتهاد تأويل
تذهب بعض التفسيرات الحديثة إلى أنّ تدمير آل لوط لا يعني عقابا للمثلية، وإنما هو عقابٌ ضدّ مغتصبي ضيوف لوط. فالفرق شاسع بين اغتصاب المرسلين إلى لوط وبين علاقة مثلية بين راشدين راضيين، علاقة تتميّز بالرغبة والمتعة وفي حالات متكاثرة بالحبّ والاستقرار النفسيّ، وبالمساواة أساسا. بتعبير آخر، لا ينطبق المفهوم القرآنيّ للّوطية على المثليّة الجنسية الحداثية، فالفاحشة لا تكمن في الإتيان من الدّبر بقدر ما تنحصر في اغتصاب ملائكة مرسلين إلى لوط.
من جهة ثانية، يتحدّث القرآن عن الغلمان والولدان في ثلاث آيات هي: “يطوف عليهم غلمان كأنّهم لؤلؤ مكنون” ( الطور: 24 )، “ويطوف عليهم ولدان مخلدون” ( الإنسان: 19 )، “يطوف عليهم ولدان مخلدون” ( الواقعة: 17). أمام هذه الآيات، لا بدّ من طرح الأسئلة التالية: لماذا يتمّ ذكر الولدان ثلاث مرّات في القرآن؟ ثم ما سرّ وجود الغلمان في الجنّة؟ ما هي طبيعة الخدمات التي يقدّمونها؟ ما سرّ التأكيد على جمالهم الذي لا يفنى (لؤلؤ مكنون، مخلّدون)؟ ماذا يعني ربطهم بالجواري وحور العين في خدمة الرجل المؤمن؟ هل تقتصر الخدمة على المعنى الظاهر أم أنّ الجسد الخادم نفسه أداة في الخدمة، في إعطاء المتعة؟ هل ما هو محرّم في الدنيا حلال في الجنّة كما هو الشأن بالنسبة للخمر والاستمتاع بأكثر من أربع نساء؟ وبالتالي ما الذي يمنع من أن يدخل الغلمان في إطار ما تقدّمه النساء والجواري والحور من خدمات جنسية، من إمتاع المؤمن؟ يسير الطبري في هذا الاتّجاه حين يؤكّد أنّ الغلمان لا يفتئون عن تقديم شراب الخمر إلى الرجال المؤمنين الذين نالوا الجنة، مثلهم في ذلك مثل الجواري وحور العين. في هذا السياق التأويلي، يقول يحيى بن أكثم، وهو معروف باللواطة وحبّ الغلمان: “لقد أكرم الله أهل الجنّة بأن طاف عليهم الولدان، ففضّلهم في الخدمة على الجواري، فما الذي يخرجني عاجلا عن هذه الكرامة المخصوص بها أهل الزلفى لديه”؟
2. الاجتهاد توثيق
يتأسّس حكم قتل اللوطيّ في الفقه على الحديث القائل: “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به”. لكنّ إسناد هذا الحديث ضعيف كما يتّضح من “تحفة” الأحوذي لشرح جامع الترمذي: “قال وفي الباب عن جابر وأبي هريرة قال أبو عيسى: وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم من هذا الوجه. وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال: ملعون من عمل عمل قوم لوط ولم يذكر فيه القتل وذكر فيه ملعون من أتى بهيمة. وقد روي هذا الحديث عن عاصم بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقتلوا الفاعل والمفعول به. قال أبو عيسى هذا حديث في إسناده مقال ولا نعرف أحدًا رواه عن سهيل بن أبي صالح غير عاصم بن عمر العمري وعاصم بن عمر يضعف في الحديث من قبل حفظه…” ويذهب ابن طلاع في أحكامه إلى أنّ الرسول لم يقم أبدا الحدّ على لوطيّ أو حاكم لوطيا.
3. الاجتهاد أولوية لخصوصية السبب
لماذا تمّ تحريم المثلية من طرف أغلبية المذاهب الفقهية السائدة، السنية والشيعية؟ ما السبب في اعتبار المثلية فاحشة كبيرة تستحقّ أشدّ العقوبات؟ لا بدّ من التذكير بأنّ أحد مقاصد الشريعة هو النسل التكاثريّ بفضل النكاح/الزواج. “تناكحوا تناسلوا فإنّي مُباهٍ بكم الأمم يوم القيامة” (الحديث). لذا لم يُبح الفقهاء للزوج أن ينكح الزوجة من الدّبر لأنّ تلك “اللوطية الصغرى” تجعل المنيّ يسيل مجانا ولا يعمل على تكثير سواد الأمة. صحيح أنّ الفقه أجاز المتعة من أجل المتعة حين أجاز العزل، لكنّ كل القرائن الفقهية تبيّن أنّ المتعة الجنسية ما هي في نهاية المطاف سوى أداة تسهل خدمة النسل والتكاثر. وواضح أنّ “تبذير” المنيّ في المتعة وحدها أوضح في العلاقة المثلية بين الرجلين (وفي “اللوطية الصغرى)، لأنّ القذف في غير موضع الحمل لا يخدم النموّ الديموغرافي للإمبراطورية الإسلامية الناشئة. وكما هو معروف، كان تكاثر النسل أحد أسس القوّة الاقتصادية والسياسية، الفردية والجماعية، العائلية والقبلية، في عهود كانت تتميّز بارتفاع نسبة الوفيات. من أجل هذا الاعتبار، كانت المثلية الجنسية مرفوضة، فهي عقيمة بذاتها وفي ذاتها، متعويّة و/أو غرامية بطبيعتها، عاجزة عن تكثير صفوف المسلمين.
لا شكّ أنّ عقم المثلية يشكّل أحد الأسباب الرئيسة في تحريمها ومعاقبتها، كما أنّ هاجس تجنّب الحمل غير المشروع كان الدافع الأساسيّ في تحريم الزّنا (لأنّه يؤدّي إلى خلط الأنساب والأموال). في كلا التحريمين هاجس اقتصاديّ محدّد في نهاية المطاف، هاجس مغلّف باعتبارات أخلاقية وسيكولوجية أبيسية تجعل من المثليّة الجنسية شذوذا ومن الرجولة إيلاجا وإيلاجا فقط. اليوم، تغيّرت الأمور ولم تعد القوّة تتأسّس على الكثرة، أي على منطق قبليّ قام عليه الإسلام ومدّده واحتفظ به لقرون طويلة. حان الأوان لتجاوز ذلك المنطق الذي يجعل من الجنسانية أداة في خدمة إنجاب تكاثريّ. بتعبير آخر، لم يبق الهاجس التكاثريّ مهيكلا لإسلام اليوم، وبالتالي لم يبق السبب الرئيس في تحريم المثلية الجنسية سببا قائما.
خلاصة اليوم أنّه لا بدّ اليوم من تفعيل مبدأ “خصوصية السبب”، بمعنى أنّ اندثار السبب يؤدّي منطقيا إلى تهافت الحكم. والمقصود هنا أنّ فكّ الارتباط بين القوة والكثرة من جهة وبين الجنسانية والإنجاب من جهة أخرى يؤدّي إلى تطبيع المثلية الجنسية واعتبارها اتجاها جنسيا سويّا ومشروعا.
4. الاجتهاد تفقيه مضادّ
خلافا لإرادة تحويل الإسلام إلى قانون ينظّم حياة الأمّة، وهي إرادة فقه الخليفة، يسير التصوّف الإسلامي في اتجاه معاكس تماما، في اتجاه يجعل من الإسلام طريق وصال يسلكه المؤمن لبلوغ الحقيقة. في إطار التصوّف، لا يبقى التقيّد بالمعنى الحرفيّ للنصوص واجبا لأنّ الحقيقة فوق الشريعة. يسمح هذا الموقف للمتصوّفة وللطرق وللزوايا بتبنّي قيم وسلوكيات تناقض ظاهر النصوص المرجعية الذي يدين المثلية الجنسية. “إنّ التكليف خاصّ بالعوامّ ساقط عن الخواصّ” في نظر الصوفية، وهي قاعدة تبيح التمتّع بالنظر إلى “وجوه المرد” الحسنة في حلقات الذكر. فعشق تلك الوجوه تعبير عن عشق الذات الإلهية ومحاولة التقرّب إليها. وفي الطرق، كان الراشدون يعانقون المريدين الشباب من الخلف ومن الأمام حسب مسعود القناوي في كتابه “فتح الرحمان”. إنّها “متعة الفقراء” (إلى الله). وتحكي بعض سير الأولياء أنّهم كانوا مثليين في حياتهم فأعطوا شرعية للسلوكيات والهويات المثلية من داخل الإسلام (الصوفيّ) وتحوّلوا إلى قدوة (جنسمثليّة) لأتباعهم.
هذا ما يحكى مثلا عن عليّ بن حمدوش، الولي الصالح المدفون في نواحي مدينة مكناس بالمغرب. وحسب الرواية الشفوية، كان علي بن حمدوش يلبس زيّ النساء ويعبّر عن أنوثته بفضل ذلك. ويبدو أنه لم يتزوّج قطّ ولم يترك ذرية. اليوم، أصبح ضريحه مزارا يقصده المثليّون المغاربة. أكيد أنّ هذه الرواية تلتقي بشكل ما مع ما قاله أبو يزيد البسطامي بصدد المتصوّفة: “أولياء الله عرائس الله تعالى”. وهو ما تمّ تأويله على أنّ المتصوفة هم/هن نساء الله. وتقرّ رواية شفوية أخرى أنّ الوليّة عائشة السودانية المدفونة غير بعيد عن ضريح علي بن حمدوش تحوّلت إلى رجل للدفاع عن نفسها عندما حاول بعض الرجال اغتصابها. ثمّ رفضت بعد ذلك كلّ تعامل جنسيّ مع الرجال. وهو ما دفع المخيال الشعبيّ إلى اعتبار عائشة السودانية سحاقية ونموذجا مرجعيا يسدل الشرعية على السحاقية من داخل الإسلام الصوفيّ الشعبيّ.
لا يهمّ أن تكون لهذه الروايات واقعية تاريخية، الأهمّ هو حاجة الطبقات الشعبية الفقيرة إلى أسلمة المثلية الجنسية واستدماجها في [وبـ]المقدّس، ضدّا على التحريم الفقهيّ السائد. وبشكل أعمّ، تزخر كتب مثل كتاب “الطبقات” للشعراني وكتاب “كرامات الأولياء” للنبهاني بقصص كثيرة تجعل من السلوكيات المثلية لدى الصوفية كرامات متكرّرة خصّ بها الله أولياءه.
خلاصة الموقف الصوفي الروحاني أن الجنسمثليّ خليقة الله. هل يمكن لأحد أن يرفض هذه الحقيقة الصوفية، البسيطة والدامغة؟ هل يخطئ الله في خلق المثليّ مثليّا؟ هل من حقّ الإنسان أن يقتل خليقة الله؟ أليس الإسلام قبولا ومحبّة لكلّ خلائق الله، كيفما كان اتّجاهها الجنسيّ؟ إنّ الطرح الصوفيّ يرفض التطرّف الجنسي الأبيسي ويرفض كلّ عنف مادّيّ أو رمزيّ ضدّ الممارسات والهويات الجنسمثليّة وما بين الجنسيّة. فالأقلّيات الجنسيّة لها أيضا الحقّ في الوجود، بل في الوجود العموميّ. يكمن الرهان إذن في تحويل التعدّد الجنسي (الذي هو واقع قائم يعبّر عن إرادة إلهية) إلى وضع مشروع، وفي ترجمته إلى مواطنة جنسية: حقّ كلّ مسلم بالتمتع بكلّ الحقوق (الجنسية) مهما كان اتّجاهه الجنسيّ.
5. الاجتهاد تحيين
المقصود بالتحيين الإنصات إلى التطوّر الاجتماعيّ وأخذه بعين الاعتبار. فقد أثبتت الدراسات السوسيولوجية العربية القليلة في الموضوع أنّ بعض الجنسمثليين الإستيين أصبحوا يتقبّلون أنفسهم ويتبنّون ممارساتهم وهويّتهم. لم يبقَ معاشهم الداخليّ سلبيا بحيث أنّ الشعور بالنقص وبالعار اندثر تدريجيًا. وتؤشّر نفس الدراسات إلى تشكّل أزواج جنسمثلية (couples) قارّة على أساس التفاهم والحبّ والمساواة. ويستشير البعض من أولئك الأزواج أخصّائيين نفسانيين من أجل تحسين جودة علاقتهم المثليّة. من جانب آخر، يحصل اليوم تطوّر في الإدراك الاجتماعيّ للمثلية الجنسية. فـ 44 في المائة من المغاربة مثلا يرون أنّ “كلّ كائن بشريّ مزيج من الأنوثة والذكورة”. ويقرّ 25 في المائة أنّ المثلية الجنسيّة الإستيّة لا تفقد الرجل رجولته. إنّها مؤشّرات تدلّ على ميلاد ونشأة تعريف غير أبيسي للرجولة في العالم الإسلاميّ.
6. الاجتهاد، علمنة للمعاملات
بالإمكان أن تقوم شرعية المثليّة من داخل الإسلام على الفصل بين العقيدة والمعاملات. إنّ عدم تجريم المثلية الجنسية لا يمسّ العقيدة ولا الإيمان ولا هويّة الدولة الإسلامية. فالإسلام يكمن في صحّة العقيدة وفي قوّة الإيمان وليس في تطبيق تشريع مضطرّ للتغيّر والتجدّد والتكيّف حسب الأمكنة والأزمنة، وحسب المصالح وميزان القوى بين الشرائح الاجتماعية. أيضا، لا يمكن قياس درجة إسلام دولة ما بدرجة حرفيتها، أي وقوفها عند المعنى الظاهر للنصوص المقدّسة. صحيح أنّ الحرفية موقف لا يخلو من مشروعية، لكنّ المشروعية لا تكمن فقط في الحرفية وفي تطبيق مقتضيات المعنى الظاهر للنصّ. من خير الأدلّة على ذلك، مثال الاسترقاق الجنسيّ. إنّ منعه وتجريمه اليوم يناقض ما جاء به النص المقدّس صراحة، وهو تحريم لما أحلّه الله. فهل المطلوب اليوم من الدول الإسلامية المعاصرة أن تعود إلى حلّية الاسترقاق الجنسيّ، وإلى حلّية الاسترقاق بشكل عامّ؟ أم هل ينبغي أن ننظر إلى تجريم الاسترقاق من طرف الدول الإسلامية المعاصرة، بفضل تطبيق المواثيق الدولية، ارتقاءً بالإسلام وتطهيرا له من كلّ موقف تمييزيّ على أساس اللون والسبي والقوة؟ ألا ينبغي أن نستمرّ في هذا المسلك العقلانيّ وأن نطهّر الإسلام من كلّ موقف تمييزيّ على أساس الاتجاه الجنسيّ أيضا؟ إنّ تجريم الاسترقاق الجنسيّ لا يقلّل من شأن الإسلام بل يخدمه رغم مناقضته لنصوص صريحة وقطعية، وهو الأمر الذي ينطبق أيضا على المثلية الجنسية إذ أنّ شرعنتها تخدم بدورها الإسلام وتعزّز شموليته. في كلتا الحالتين مناهضة لشكلين من التمييز الاجتماعيّ، هما العبودية وكره المثْل (homophobie).
بديهي أنّ شرعنة المثلية من طرف الإسلام ستحبّب الإسلام إلى المثليّين وإلى كلّ المدافعين عن حقوق الإنسان وعن الحرّيات الفردية. فمن المشروع أن نتساءل: كيف يمكن للجنسمثليّ أن يتقبّل وأن يحب إسلاما يقول برجمه وبجلده وبحبسه وبتغريمه؟ إنّ علمنة القانون الخاصّ بالمثلية الجنسية (في اتجاه شرعنتها) تحرير للإسلام من موقف غير عقلانيّ وغير مساواتي. وهذا إجراء لا يمسّ بتاتا العقيدة ولا الإيمان. رغم كلّ ما تقدّم من اعتبارات، لا تعني شرعنة المثلية باسم قانون وضعي منع بعض المسلمين من الاستمرار في تحريم المثلية الجنسية على أنفسهم (إن شاؤوا). فذلك أمر يهمّهم كأفراد في حياتهم الخاصّة. لكن ليس من حقهم تحويل رؤياهم هاته إلى قانون يسري قسرا على الجميع.
خاتمة
إن الرؤيا القدحية والتجريمية للمثليّة الجنسية تعبّر عند مسلم اليوم عن فقدان التحكّم في صنع التاريخ. أمام ضعف المسلم أمام قوّة الحداثة وما بعد الحداثة، ونظرا لعدم استفادة المسلم من الحداثة، لا يملك مسلم اليوم سوى الرجوع إلى عصر يعتقد أنّه ذهبيّ، إلى عصر يجعل من الرجولة والجنسغيريّة الوضع “الطبيعيّ” النموذجيّ المرجعيّ. إنّه في حاجة إلى أمن جنسيّ يحدّ من قلق أزمة الذات. وطبعا، يجد ذلك الأمن في إسلام “طاهر” وصلب، في إسلام مخلص من كلّ الشوائب الثقافية، مبسّط ومفقر، فوق كلّ تاريخ وفوق كلّ مجتمع، في إسلام أسطوريّ ينقذه من سؤال الهوية، ومن سؤال الهوية الجنسية الرجولية بالذات.
لا بدّ من تذكير مسلم اليوم بالتسامح الذي أبان عنه محمّد (ص) تجاه المثليين الجنسيين، وأبانت عنه أيضا الحضارة الإسلامية في تمظهراتها المزدهرة (الأموية، العباسية، الأندلسية، العثمانية…). من ثمّة يبدو أنّ التشدّد ضدّ المثليّة الجنسيّة مرتبط بعصور الانحطاط والتخلّف خصوصا، أي العصور التي تقف عند التأويلات الضيّقة والمعسرة للنصوص المرجعية.
آن الأوان للتوقّف عن اعتبار آراء الظاهرة والرافضة من المثلية الجنسية بدعة وضلالة، آن الأوان لإعطاء مصير سياسيّ لهذه الآراء التي تبرّئ الجنسمثلي والتي لا تقول بحدّه أو بتعزيره. لماذا لا نجعل من تلك الآراء مصدرا لقوانين إسلامية حداثية تقبل المثليّة (من داخل الإسلام) وتلتقي في الوقت ذاته مع المواثيق والمعاهدات الدولية؟ لماذا لا تدرّس هذه الآراء للتلاميذ والطلبة؟ لماذا لا يتمّ نشرها عبر وسائل الإعلام الإسلامية والدولية؟ لماذا لا يتمّ تبليغها إلى المربّين وإلى الأئمّة وإلى كلّ من له تأثير على الرأي العامّ؟ لماذا لا يتمّ إدماجها في تربية جنسية تقوم على رفض كلّ أشكال التمييز؟
|عبد الصمد الديالمي|
(عن“الأوان”)
No comments:
Post a Comment